وهذا مظهر آخر من منهجية البخاري وبراعته وعبقريته، استعاض به عن هذا العدد العديد من الأحاديث التي ضمها "الجامع الصحيح" على كثرتها؛ حتى يجمع هذِه الثروة الحديثية الشاملة، وإلا احتاج إلى مجلدات حتى يستوفي أبواب صحيحه وكتبه، مراعاة لشروطه في الصحيح، والتي ألزم نفسه بها وهو يدون الحديث الصحيح في جامعه متحريًا خالصة لذاته وحسب شروطه.
يقول ابن الملقن في مقدمة "التوضيح": (القاعدة الثانية عشر: اختصار الحديث والاقتصار عَلَى بعضه، الصحيح جوازه إِذَا كان ما فصله غير مرتبط الدلالة بالباقي، بحيث لا تختلف الدلالة، مفصلة كالحديثين المستقلين. ومنعه إن لم يكن كذلك. وأما تقطيع المصنف الحديث وتفريقه في أبواب فهو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد، وقد فعله مالك والبخاري وغير واحد من أئمة الحديث).
وفي ذلك يقول الكشميري:
"إن المصنف لما شدد في شروط الأحاديث، قلَّت ذخيرة الحديث في كتابه، ولما أراد أن يتمسك منها على جملة أبواب الفقه، اضطر إلى التكرار والتوسع في وجوه الإستدلال، وذلك من كمال بداعته، ومن لا دراية له بغوامضه، ولا ذوق له في علومه، يتعجب من صحيحه،