للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حديث يحيى بن بكير عنه، وكذلك مسلم في "صحيحه" من حديثه (١).

إذا تقرر ذَلِكَ؛ فالكلام عليه من وجوه:

أحدها: فيه: الحض على طلب الولد بنية الجهاد في سبيل الله، وقد يكون الولد بخلاف ما أمله فيه فيكون كافرًا، ولكن قد تم له الأجر في نيته وعمله.

ثانيها: أن من قَالَ: إن شاء الله وتبرأ من المشيئة إلا لله ولم يعط (الخاصة) (٢) لنفسه في أعماله أنه حري بأن يبلغ أمله ويُعطي أُمنيَّته، ألا ترى أن سليمان لما لم يرد المشيئة إلى الله ولم يستثن ما لله في ذَلِكَ حُرم أمله، ولو استثنى بلغ أمله. كما أخبر الصادق، وليس كل من قَالَ قولًا ولم يستثن فيه المشيئة فواجب ألا يبلغ أمله، بل منهم من يشاء الله إتمام أمله، ومنهم من لا يشاء بسابق علمه، ولكن هذِه التي أخبر عنها الصادق أنها مما لو استثنى المشيئة لتم له أمله، فدل هذا على أن الأقدار في علم الله على ضروب، فقد يُقدر للإنسان الولد والرزق والمنزلة إن فعل كذا، أو قَالَ أو دعا، فإن لم يفعل ولا قَالَ لم يعط ذَلِكَ الشيء وأصل هذا في قصة يونس - صلى الله عليه وسلم - قَالَ تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤)} [الصافات:١٤٣ - ١٤٤] فبان بهذِه الآية أن تسبيحه كان سبب خروجه من بطن الحوت، ولو لم يسبح ما خرج منه.

ثالثها: أن الاستثناء قد يكون بإثر القول، وإن كان فيه سكوت يسير لم تنقطع به دونه الأفكار الحائلة بين الاستثناء واليمين، وستعلم ذَلِكَ في موضعه.


(١) "صحيح مسلم" (١٦٥٤) كتاب: الأيمان والنذور، باب: الاستثناء.
(٢) في الأصل: الخصة. ولعل المثبت هو الصواب؛ وانظر "شرح ابن بطال" ٥/ ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>