للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كالشيطان الذي لا يأنس بأحد ويطلب الوحيد ليغويه بتذكار قتلة و (تزيين) (١) شهوة، حضًّا منه - صلي الله عليه وسلم - على الصحبة والمرافقة؛ لقطع المسافة وطي بعيد الأرض بطيب الحكاية وحسن المعاونة على المؤنة، وقصة الزبير بضد هذا بعثه طليعة متجسسًا على قريش ما يريدونه من حرب رسول الله - صلي الله عليه وسلم -، فلو أمكن أن يتعرف ذَلِكَ منهم بغير طليعة لكان أسلم وأخف، ولكن أراد أن يسن لنا جواز الغرر في ذَلِكَ لمن احتسب نفسه وسخى بها في نفع المسلمين وحماية الدين، ومن خرج في مثل هذا الخطير من أمر الله لم يعط الشيطان أذنه فيصغي إلى خُدَعِه، بل عليه من الله حافظ ومؤنس، وهذا.

ألا ترى تثبيت الله تعالى له حين نادى أبو سفيان في المشركين ليعرف كل إنسان منهم جليسه (قال الزبير لمن قرب: [من] (٢) أنت؟ فسبق بحضور ذهنه إلى) (٣) ما لو سبقه إليه جليسه لكان سبب فضيحته، كذا قَالَ: إنه الزبير، وإنما هو حذيفة حين سار إلى قريش في الأحزاب متحسسًا -كما ذكره ابن سعد وغيره كما سلف- ولو أرسل معه غيره لكان أقرب إلى أن يُعْثَرَ عليهما، فالوحدة في هذا هي الحكمة البالغة، وفي المسافر هي العورة البينة، ولكل وجه من الحكمة غير وجه الآخر لتباين القصص واختلاف المعاني. وحمله الطبري على من لا يهوله هول، ألا ترى أن عمر لما بلغه أن سعدًا بني قصرًا أرسل شخصًا وحده ليهدمه (٤).- وذكر ابن أبي عاصم أنه


(١) في (ص ١): تدبير.
(٢) زيادة يتقضيها السياق.
(٣) من (ص ١).
(٤) رواه ابن المبارك في "الزهد" ص ١٧٩ (٥١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>