للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان في أول الإسلام ثم نسخ ذَلِكَ وأبطله قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ} [الحديد: ٢٢] الآية (١).

وقال المهلب: حقق في ظاهر اللفظ وهو قوله: "إنما الشؤم في ثلاثة" حين لم يستطع أن ينسخ التطير من نفوس الناس، فأعلمهم أن الذي يتعذبون به من الطيرة لمن التزمها إنما هي في ثلاثة أشياء، وهي الملازمة لهم مثل دار المنشأ والمسكن، والزوجة التي هي ملازمة في حال العسر واليسر، والفرس الذي به عيشه وجهاده وتقلبه، فحكم بترك هذِه الثلاثة الأشياء لمن التزم التطير حين قَالَ في الدار التي سكنت والمال وافر والعدد كثير: "اتركوها ذميمة" خشية أن لا يطول تعذب النفوس مما تكره من هذِه الأمور الثلاثة وتتطير بها، وأما غيرها من الأشياء التي إنما هي خاطرة وطارئة وإنما تحزن بها النفوس ساعة أو أقل، مثل الطائر المكروه الاسم عند العرب يمر برجل منهم، فإنما يعرض له في حين مروره به، فقد أمر - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا وشبهه لا يضر من عرض له.

وأمر في هذِه الثلاثة بخلاف ذَلِكَ لطول التعذب بها، وقد قَالَ - صلي الله عليه وسلم -: "ثلاث لا يسلم منهن أحد: الطيرة، والظن، والحسد، فإذا تطيرت فلا ترجع، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق" (٢)، وسيأتي لنا عودة إلى ذَلِكَ في الطب والنكاح إن شاء الله، وظهر أن لا تعارض بين هذا وبين حديث: "لا طيرة" وإن توهم بعضهم المعارضة، ولله الحمد.


(١) "التمهيد" ٩/ ٢٩٠.
(٢) رواه الطبراني ٣/ ٢٢٨ (٣٢٢٧)، من حديث حارثة بن النعمان، بنحوه. وانظر: "مصنف عبد الرزاق" ١٠/ ٤٠٣ (١٩٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>