للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: البيان عما خص به نبينا من الشجاعة والنجدة، وذلك أن أصحابه انفتلوا فانهزموا من عدوهم حَتَّى ولوا عنهم مدبرين، كما وصجهم الله في كتابه: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٩] فكان أصحابه وهم زهاء عشرة آلاف أو أكثر مدبرين انهزامًا من المشركين، وهو - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أهله قليلين متقدم للقاء العدو وقتالهم، جاد في المضي نحوهم غير مستأخر ولا مدبر، والعدو من العدد في مثل السيل والليل.

وأما انهزام من انهزم، وهو كبيرة، فقد أسلفنا الجواب عنه وأن المكروه هو الانهزام على نية ترك العود للقتال عند وجدان القوة، أما للكر والتحيز إلى فئة فلا، يدل عليه أن الله تعالى قَالَ: {ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة: ٢٦]، فلو كان على غير ذَلِكَ لكانوا استحقوا وعيده، وقد روى داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: ١٦] قَالَ: كان ذَلِكَ يوم بدر ولم يكن لهم يومئذ أن يتجاوزوا الانحياز إلى المشركين، ولم يكن يومئذ مسلم على وجه الأرض غيرهم. وقال الضحاك: إنما كان الفرار يوم بدر ولم يكن لهم ملجأ يلجئون إليه، وأما اليوم فليسَ فرار (١). وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: قَالَ عمر بالمدينة: وأنا فئة كل مسلم (٢). وسئل الحسن البصري عن الفرار من الزحف، فقال: والله لو أن أهل سمرقند انحازوا إلينا لكنا فئتهم.


(١) رواه الطبري في "تفسيره" ٦/ ٢٠٠.
(٢) رواه الطبري ٦/ ٢٠١ (١٥٨٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>