للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال الشافعي: لا أعلم أحدًا من المشركين لم تبلغه الدعوة اليوم إلا أن يكون خلف الجزر، والترك أمة لم تبلغهم فلا يقاتلوا حَتَّى يدعوا، ومن قتل منهم قبل ذَلِكَ فعلى قاتله الدية (١). وقال أبو حنيفة: لا شيء عليه. قَالَ ابن القصَّار: وهو ما أراه، ولا أحفظ عن مالك فيه نصًّا.

قَالَ الطحاوي: قد لبث الشارع بعد النبوة سنين يدعو الناس إلى الإسلام ويقيم عليهم الحجج والبراهين كما أمره الله تعالى بقوله: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: ٩٦] وقوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ} [المائدة: ١٣] ثم أنزل الله تعالى بعد ذَلِكَ: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١] فأباح الله قتال من قاتله ولم يبح قتال من لم يقاتله، وكان الإسلام ينتشر في ذَلِكَ وتقوم الحجة على من لم يكن علمه، فأنزل الله تعالى بعد ذَلِكَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] قاتلوكم قبل ذَلِكَ أم لا، فكان في ذَلِكَ زيادة في انتشار الإسلام، ثم أنزل عليه: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] فأمر بقتالهم كافة حَتَّى يكون الدين كله لله، وقد تقدمت معرفة الناس جميعًا بالإسلام وعلموا ما منابذته سائر أهل الأديان، ولم يذكر في شيء من الآي التي أمر فيها بالقتال دعاء من أمر بقتالهم؛ لأنهم قد علموا خلافهم له وما يدعوهم إليه.

واحتج لهذا القول بحديث أنس أنه كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع أذانًا أمسك، وإن لم يسمع أذانًا أغار بعد ما أصبح، فهذا يدل على أنه كان لا يدعو.


(١) "الأم" ٤/ ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>