للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والرابعة، قَالَ: ومعنى الأولى أنها ينقضي أمرها بخدعة واحدة، ومعناها: أنها لا تقال من خدع، وفيها معنى الثانية، أنها بها يخدع الرجال، كما قيل: لُعبة لما يلعب به، ومعنى الثالثة: أنها تمني الرجال الظفر ولا تفي لهم به، كما قيل: ضحكة إذا كان يضحك بالناس.

قَالَ الداودي: ومنه أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها. وذكر بعض أهل السير أنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "هذا يوم الأحزاب" لما بعث نعيم بن مسعود أن يخذل بين قريش وغطفان ويهود، ومعناه: أن المماكرة في الحرب أنفع من المكاثرة والإقدام على غير علم. ومنه قيل: نفاذ الرأي في الحرب أنفع من الطعن والضرب.

قَالَ المهلب: والخداع في الحرب جائز كيف يمكن ذَلِكَ، إلا بالأيمان والعهود والتصريح بالأيمان فلا يحل شيء من ذلك. قَالَ الطبري: وإنما يجوز من الكذب في الحروب ما يجوز من غيرها من التعريض مما ينحى به نحو الصدق مما يحتمل المعنى الذي فيه الخديعة للعدو والإلغاز، لا القصد إلى الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه. قَالَ المهلب: مثل أن يقول المبارز: له: حزام سرجك قد انحل؛ ليشغله عن الاحتراس منه، فيجد (فرصة) (١) في ضربه، وهو يريد أن حزام سرجه قوإنحل فيما مضى من الزمان. أو غيره بخبر يقطعه من موت أميره. وهو يريد موت المنام أو الدين، ولا يكون قصد الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه البتة؛ لأن ذَلِكَ حرام، ومن ذَلِكَ ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها (٢) كما سلف.


(١) في الأصل: (فرسه) غير منقوطة، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) نقله ابن بطال في "شرحه" ٥/ ١٨٧ - ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>