عندها أنه أراد به بعض المال دون بعض. وأنه لم يرد به الأصول والعقار، فانقادت وسلمت للحديث وإنما كان هجرانها له انقباضًا عن لقائه وترك مواصلته. وليس هذا من الهجران المحرم، وإنما المحرم من ذَلِكَ أن يلتقيا فلا يسلم أحدهما على صاحبه. ولم يرو واحد أنهما التقيا وامتنعا من التسليم، ولو فعلا ذَلِكَ لم يكونا بذلك متهاجرين، إلا أن تكون النفوس مضمرة للعداوة والهجران، وإنما لازمت بينهما، فعبر الراوي عنه بالهجران. هذا وجه هجرانها له، لكنها وجدت عليه أن (أحرمها)(١) ما لم يحرم أحد، ولسنا نظن به إضمار الشحناء والعداوة، وإنما هم كما وصفهم الله رحماء بينهم.
وروي عن علي أنه لم يغير شيئًا من سيرة أبي بكر وعمر بعد ولايته في تركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل أجرى الأمر فيها على ما أجرياه في حياتهما.
فصل:
فإن قلتَ: حديث عائشة في الباب ليس فيه ذكر الخمس. قلتُ: وجهه أن فاطمة إنما جاءت تسأل ميراثها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فدك وخيبر وغيرهما، وفدك مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فلم يجز فيها خمس، وأما خيبر فإن الزهري ذكر أن بعضها صلحًا، وبعضها عنوة، فجرى فيها الخمس.
وقد جاء هذا في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي، قالت عائشة: إن فاطمة جاءت تسأل نصيبها مما ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، وإلى هذا أشار البخاري واستغنى لشهرة الأمر عن إيراده مكشوفًا بلفظ الخمس في هذا الباب.
(١) فوقها في الأصل: كذا. قلت: والصواب: حرمها؛ لأنه يتعدى بغير الهمزة.