بفضل من الله على هذِه الأمة، أعطوا ذَلِكَ في وقت ومنعوه في وقت، فأعطوا من المغانم ما ليس له أصل يبقى، فاشترك فيه المسلمون كلهم، ومنعوا الأصل الذي يبقى، فلم يكن في ذَلِكَ ظلم لهم؛ لأن ثواب الله الذي قصدوه جار لهم في كل شيء ينتفع به من الأصول التي افتتحوها مادامت وبقيت.
وحكى الطحاوي عن الكوفيين: أن الإمام إذا أقرهم أرض العنوة أنها ملك لهم يجري عليهم فيها الخراج إلى الأبد أسلموا أو لم يسلموا، وإنما حملهم على هذا التأويل أنهم قالوا: إن عمر جعل على جريب التمر في أرض السواد بالعراق شيئًا معلومًا في كل عام، فلو لم تكن لهم الأرض لكان بيع التمر قبل أن يظهر (١). قَالَ أبو جعفر الداودي: ولا أعلم أحدًا من الصحابة يقول بقول أهل الكوفة.
واحتج من خالفهم بأن الأرض كلها كانت لا شجر فيها، فإنما اعتبر ما يصلح أن يزرع فيه البر جعل عليه بقدر ذَلِكَ، وإن اكترى ما يصلح أن يزرع الشعير جعل عليه بقدر ذَلِكَ، ومن اكترى ما يصلح أن يجعل فيه الشجر جعل عليه بقدر ذَلِكَ، على أن الشجر كانت في الأرض يومئذ.
قال ابن بطال: وقول الكوفيين مخالف للكتاب والسنة؛ لأن الله تعالى أحل الغنائم للمسلمين، فإذا افتتحت الأرض فاسم الغنيمة واقع عليها، كما يقع على المال، سواء كان رأي الإمام إبقاء الأرض لمن يأتي بعد، فإنما يبقيها ملكًا للمسلمين من أجل أنها غنيمة كما فعل عمر، فمن زعم أن الأرض تبقى ملكًا للمشركين فهو مضاد لحكم الله ورسوله، فلا وجه لقوله، وروى الليث عن يونس عن ابن شهاب أن