الأنصار فواساه وقاسمه، فكانوا كذلك إلى أن فتح الله الفتوح على رسوله، فرد عليهم ثمارهم، فأول ذَلِكَ النضير كانت مما أفاء الله عليه مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وانجلى عنها أهلها بالرعب، فكانت خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون سائر الناس، وأنزل الله فيهم:{مَا أَفَاءَ الله عَلَى رَسُولِهِ} الآية [الحشر: ٦]. فحبس منها رسول الله لنوائبه وما يغزوه، وقسم أكثرها في المهاجرين خاصة دون الأنصار، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ للأنصار:"إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتهم في ثماركم، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم " قالوا: بل تعطيهم دوننا ونقيم على مواساتهم. فأعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين دونهم، فاستغنى القوم جميعًا، استغنى المهاجرون مما أخذوا واستغنى الأنصار مما رجع إليهم من ثمارهم.
وكانت أم أنس أعطت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقًا، وفي مسلم: نخلة، فتصرف في ثمارها بنفسه وعياله وضيفه، فلهذا آثر بها أم أيمن، ولو كانت إباحة لما أباحها لغيره؛ لأن المباح له بنفسه لا يباح له أن يبيح ذَلِكَ الشيء لغيره، بخلاف الموهوب له نفس رقبة الشيء فإنه يتصرف فيه كيف شاء، وامتنعت أم أيمن من رد المنيحة؛ لأنها ظنت أنها كانت هبة وتمليكًا لأصل الرقبة، فأراد - صلى الله عليه وسلم - استطابة قلبها بالزيادة؛ تبرعًا منه وإكرامًا لها لما لها من حق الحضانة.
وأما قريظة فإنها نقضت العهد بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحزبت مع الأحزاب، وكانوا كما قَالَ الله تعالى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ}[الأحزاب: ١٠] قريظة، ولم يكن بينهم وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خندق {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}[الأحزاب: ١٠] الأحزاب، فأرسل الله نصره وأرسل الريح على