وقال ابن القصَّار: لمَّا خصَّ به - عليه السلام - أحدهما علم أنه غير مستحق إلا بعطية الإمام؛ لأن إعطاء الإمام عندنا من الخمس فيكون معنى قوله:"من قتل قتيلًا فله سلبه" يعني: من الخمس لا من مال الغانمين.
واحتج أصحابنا فقالوا: إنما أعطى السلب لأحدهما وإن كان قال: "كلاكلما قتله" لأنه استطاب نفس صاحبه، ولم ينقل ذلك. ويشهد لصحة هذا ما ثبت عنه - عليه السلام - أنه جعل السلب للقاتل يوم بدر وغيره.
روي ذلك من حديث عبد الرحمن بن عوف، وعوف بن مالك، وأبي قتادة، وابن عباس، قالوا: لأنه محال أن يقول: "كلاكما قتله"، ويقول:"من قتل قتيلًا فله سلبه"، ثمّ يعطيه لأحدهما إلا عن إذن صاحبه، كما فعل في غنائم هوازن. وبهذا التأويل يجمع بين الأحاديث.
قالوا: وحديث أبي قتادة يدل أن السلب من رأس الغنيمة لا من الخمس؛ لأن إعطاءه له قبل القسمة؛ لأنه نفله حين برد القتال، ولم يقسم الغنيمة إلاَّ بعد أيام كثيرة بالجعرانة، فأجابهم أصحاب مالك والكوفيون، وقالوا: هذا حجة لنا؛ لأنه إنما قال ذلك في حديث أبي قتادة بعد تقضي الحرب، وقد حيزت الغنائم. وهذِه حالة قد سبق فيها مقدار حق الغانمين، وهو الأربعة الأخماس على ما أوجبها الله تبارك وتعالى لهم، فينبغي أن يكون من الخمس.
وإذا تقرر أنه ابتدأ فأعطى القاتل السلب بعد أن قال:"ما لي مما أفاء الله عليكم إلاَّ الخمس وهو مردود فيكم" علم أن عطية ذلك وغيره من الخمس المضاف إليه، ولا يكون الخمس إلاَّ بعد حصول الأربعة الأخماس للغانمين، وما رأى الإمام أن يعطيه من أبلى، واجتهد في نكاية العدو فهو ابتداء عطية منه ينبغي ألا يكون من حقوق الغانمين،