وفيه أيضًا: من علامات النبوة ما هو ظاهر من كلام الجماد، وأنَّ السم لم يؤثر فيه حتى كان عند وفاته، لتجتمع له النبوة مع الشهادة؛ مبالغة في كرامته ورفع درجته.
وفيه: أن السموم لا تؤثر بذاتها بل بإذن الرب -جل جلاله- ومشيئته، ألا ترى أن السم أثر في بشر ولم يؤثر في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال.
فصل:
فيه: العفو عن المشركين إذا غدروا لشيء يستدرك إصلاحه وجبره، ويعصم الله منه إذا رأى الإمام ذلك، وإن رأى عقوبتهم عاقبهم لما يؤديه إليه اجتهاده، وأما إذا غدروا بالقتل أو مما لا يستدرك جبره، وما لا يعتصم من شره، فلا سبيل إلى العفو كما فعل الشارع في العرنيين عاقبهم بالقتل (١)، وإن كان - عليه السلام - قال لعائشة:"ما زالت أكلة خيبر لتعاهدني، فهذا أوان انقطاع أبهرى" لكنه عما عنهم حين لم يعلم أنه يقضي عليه؛ لأن الله تعالى دفع عنه ضر السم بعد أن أطلعه على المكيدة فيه بآية معجزة أظهرها له من كلام الذراع، ثم عصمه الله من ضره مدة حياته، حتى إذا دنا أجله بغى عليه السم، فوجد ألمه.
وأراد الله تعالى له الشهادة بتلك الأكلة ولذلك لم يعاقبهم، وأيضًا فإن اليهود قالوا: أردنا أن نختبر بذلك نبوتك وصدقك، فإن كنت نبيًّا لم يضرك، فقد يمكن أن يعذرهم بتأويلهم، وأيضًا فإنه كان لا ينتقم لنفسه؛ تواضعًا لله كما مرَّ، وكان لا يقتل أحدًا من المنافقين المناصبين له