وفي حديث سهل بن حنيف الدلالة البينة أنه - عليه السلام - كان يدير كثيرًا من حروبه بحسب ما يحضره من الرأي مما الأغلب عنده أنه من الصواب، وإن كان الله قد كان عهد إليه في جواز الصلح في مثل الحال التي صالحهم عليها عهدًا، فمن ذلك الرأي كان، لولا ذلك لما كان عمر وسهل بن حنيف ومن كان ينكر الصلح ويرى قتال القوم أصلح في التدبير والرأي لينكروا ذلك ويؤثروا آراءهم بالقتال على تركه لو كان عندهم أنه عن أمر الله تعالى نبيه، ولكنه كان عندهم أنه رأي من
النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإبقاء على من معه من الصحابة؛ لقلة عددهم وكثرة عدد المشركين.
وكان عمر والذين يرون قتال القوم بحسن بصائرهم وجميل نياتهم في الإسلام، إذ كانوا أهل الحق والمشركون أهل الباطل، يرون أن الحق لا يعلوه باطل، لاسيما عددٌ الله ورسوله وليهم فأيدهم، فعظم لذلك عليهم الانحطاط إلى الصلح، ورأوه وهنًا في الدين.
وكان - عليه السلام - أعلم مما تؤدي إليه عاقبة ذلك الصلح منهم مما هو أجدى على الإسلام وأهله نفعًا، وأن الله أوحى إليه الأمر بترك قتال القوم؛ لأن ذلك أسد في الرأي.
وفيه: الدلالة الواضحة على أن لأهل العلم الاجتهاد في النوازل في دينهم مما لا نص فيه من كتاب ولا سنة، وذلك أن الذين أنكروا الصلح يوم أبي جندل أنكروه اجتهادًا منهم، والشارع بحضرتهم يعلم ذلك من أمرهم، فلم ينههم عن القول بما أدى إليه اجتهادهم، وإن كان قد عرفهم خطأ رأيهم وصواب رأيه. ولو كان الاجتهاد خطأ كان حريًّا - عليه السلام - أن يتقدم إليهم بالنهي عن القول عما أداه إليه اجتهادهم أشد النهي.