وأظهر قولي الشافعي: المنع، ونقل ابن المنذر الإجماع عليه لهذا الحديث مع أن نفسه نجسة على الأصح خلافًا لأبي حنيفة. وفي روثها وجه بطهارته، والأصح النجاسة.
ثالثها: الأمر بالغمس إنما هو لمقابلة الداء بالدواء، كما أخبر به الشارع، فحينئذٍ في إلحاق غير الذباب به نظر وقد جاء التثليث في غمسها على وجه المبالغة، رواه الضياء في "الأحاديث المختارة" من طريق يحيى بن صاعد، ثنا محمد بن معمر، ثنا أبو عتاب سهل بن حماد، ثنا عبد الله بن المثنى، حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: كنا عند أنس بن مالك فوقع ذباب في إناء، فقال أنس بأصبعه فغمسه في ذلك الماء ثلاثًا وقال: بسم الله. وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم أن يفعلوا ذلك (١).
وفيه: إباحة التداوي. ويحتمل أن يكون الداء: ما يعرض في نفس المترفهين من التكبر عن أكله، حتى ربما كان سببًا لترك ذلك الطعام وإتلافه.
والدواء: ما يحصل مع قمع النفس وحملها على التواضع، لكنه مجاز والحقيقة أنه يتعلق بالأمراض وبرئها.
وقد تعجب قوم من اجتماع داء ودواء في شيء واحد، وليس بعجب؛ فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسلفها؛ والحية القاتل سمها يدخل في لحمها في الترياق؛ والذباب يدخلونه في أدوية العين فيسحقونه مع الإثمد؛ ليقوي البصر، ويأمرون بستر وجه الذي يعضه الكلب من الذباب؟ ويقولون: إن وقع بصره عليه تعجل هلاكه. نبه عليه ابن الجوزي.