للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقيل: معناه: لا يمل إذا مللتم. قاله ابن قتيبة (١) وغيره، وحكاه الخطابي (٢) وآخرون وأنشدوا عليه شعرًا، ومثله قولهم في البليغ: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه. أي: لا ينقطع إذا انقطعت خصومه، إذ لو كان المعنى ينقطع إذا انقطعت خصومه، لم يكن له


= يوصف بالملل؟
فأجاب قائلًا: من المعلوم أن القاعدة عند أهل السنة والجماعة أننا نصف الله -تبارك وتعالى- بما وصف به نفسه من غير تمثيل، ولا تكييف، فإذا كان هذا الحديث يدل على أن لله مللًا فإن ملل الله ليس كمثل مللنا نحن بل هو ملل ليس فيه شيء من النقص، أما ملل الإنسان فإن فيه أشياء من النقص؛ لأنه يتعب نفسيًّا وجسميًّا مما نزل به لعدم قوة تحمله، وأما ملل الله إن كان هذا الحديث يدل عليه فإنه ملل يليق به -عز وجل- ولا يتضمن نقصًا بوجه من الوجوه.
وعن سؤال آخر قال: جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: "فإن الله لا يمل حتى تملوا" فمن العلماء من قال إن هذا دليل على إثباث الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق، إذ أن ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري فيه كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالًا.
ومن العلماء من يقول إن قوله: "لا يمل حتى تملوا" يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل فإن الله يجازيك عليه فاعمل ما بدا لك فإن الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال: إن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقًا؛ لأن قول القائل: لا أقوم حتى تقوم، لا يستلزم قيام الثاني وهنا أيضًا "لا يمل حتى تملوا" لا يستلزم ثبوت الملل لله -عز وجل-.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أن الله -تعالى- منزه عن كل صفة نقص من الملل وغيره وإذا ثبت أن هذا الحديث دليل على الملل فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق.
انظر: "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" ١/ ١٧٤ - ١٧٥.
(١) "تأويل مختلف الحديث" ص ٤٨٦.
(٢) "أعلام الحديث" ١/ ١٧٣.