ومعنا: ("أمنَّ") أسحَّ بماله، ولم يُرِد به الامتنان؛ لأن المنة تفسد الصنيعة، ولا منة لأحد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال الداودي: من أمن يعني: بما يجب فيه المن لو كان من غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما المن لله ولرسوله.
وقوله: ("لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا") فمنع أن يتخذ خليلا من الناس، وأبو ذر وأبو هريرة - رضي الله عنهما -، وغير واحد يقولون:(أخبرني خليلي) وجاز لهم ذلك، ولا يقول أحد: أنا خليله، وإبراهيم خليل الرحمن، ولا يقال إن الله خليله، هذا قول الداودي.
والمعنى: لو كنت أخص أحدًا بشيء مِنَ الدين لخصصت به أبا بكر، ففيه رد على الشيعة القائلين أنه خص عليًّا من الدين والقرآن ما لم يخص أحدًا، وذكر قوم أن المانع من اتخاذه خليلا هو أن هذا الحديث نهى عنه وقال فيه:"وصاحبكم خليل الله" يريد نفسه، وإن كان خليل لم يحدد غيره، قال ابن التين: وما تقدم أولى وأبين في الحجة قال: وقوله: ("ولكن أُخُوَّةُ الإِسْلَامِ")، هذا هو الصحيح في هذا الحرف، وحذف الألف لا وجه له في كلام العرب، والوجه بالألف كما ذكره البخاري.
وقد اختلف في تفسير الخلة واشتقاقها على أقوال، واختار غير واحد أن الخليل: المختص، وقال بعضهم: إنه من لا يتسع قلبه لسواه، وهو معنى قوله:"لو كنت متخذًا خليلا .. " الحديث.
واختلفوا أيضًا أيهما أرفع درجة الخلة أو المحبة، جعلهما بعضهم سواء، وبعضهم قال: درجة الخلة أرفع درجة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي" فلم يتخذه، وقد أطلق المحبة لفاطمة وابنيها وأسامة وغيرهم، وأكثرهم عكس، وكلاهما حاصل لنبينا - صلى الله عليه وسلم -.