ولم يكن عليه غرامة ذلك إلا أنه أراد أن يحتسب عمله لا يتعجل منه شيء في الدنيا.
وقوله:(ولا تَقُل: أمير المؤمنين) لما أيقن بالموت لتعلم هي ذلك، فإن كرهت دفنه هناك منعته، وفي استئذانه لها دليل على أنها تملك البيت والسكن إلى أن توفيت، ولا يلزم منه الإرث؛ لأن أمهات المؤمنين محبوسات بعد وفاته، ولا يتزوجن إلى أن يمتن فهن كالمعتدات في ذلك، وكان الناس يصلون في الجمعة في حُجر أزواجه.
ووصيته أن يستأذن بعد موته عائشة خشية أن تراعيه في حياته، وبكاء حفصة، لغلبة الشفقة، كان قبل الموت أيضًا، ولم يرتفع صوتها به.
وفي قوله:(مَا أَجِدُ أَحَقَّ بهذا الأَمْرِ مِنْ هؤلاء النَّفَرِ -أَوِ الرَّهْطِ- الذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا، وَعُثْمَانَ، وَالزُّبَيْرَ، وَطَلْحَةَ، وَسَعْدًا، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ).
فيه: جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل؛ لأن عثمان وعليا أفضلهم ولم يذكر أبا عبيدة لأنه توفي قبله سنة ثماني عشرة، ولا سعيد بن زيد؛ لأنه كان غائبًا فيما قيل.
وفي وصاياه دلالة لمن أنفذت مقاتله حكم الحي، وأنه يرث من مات بعد أن أنفذت مقاتله وقبل أن تزهق نفسه، وهو قول ابن القاسم، وقال سحنون: لا يرث من مات قبله إذ لو كان شيء من البهائم أنفذت مقاتله لم يؤكل، والذي أوصى به من أمر سعد نصيحة منه بعد موته.
وقوله في ولده:(يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له) قال هذا مع أهليته، لكنه رأى غيره أولى منه أو خشي أن يقال: هرقلية أو كسروية أن يجعل في الأولاد الخلافة.