وقوله:(فكتب إليَّ زيد بن أرقم) لم يذكر ما كتب به، ولعله كما قاله ابن التين- أنه كتب يعرفه بقوله:"اغفر للأنصار وأبنائهم" وكان في هذا عزاء مما أصيب.
وفيه: مشروعية الكتابة. قال الخطيب: وذهب غير واحد من علماء الحديث إلى أن قول القائل حدثنا في المكاتبة جائز.
وقوله:(فسأل أنسًا) كذا هو في الأصول، وذكره ابن التين بلفظ:(فسأل أنس). ثم ذكر عن أبي الحسن أن صوابه:(أنسًا).
ومعنى (أوفى الله بأذُنه) يعني: بسمعه على مجرى قوله: {سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، كذا وصف نفسه، وهو ثابت كما جاء لا على معنى الجارحة -تعالى عن ذلك (١) - وهو بسكون الذال.
وقول عمر: (دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال - عليه السلام -: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه" هو من أعظم السياسات؛ ولأن ظاهر عبد الله بن أبي الإسلام، والناس كلفوا بالظاهر، فلو حصل عقوبة نفروا.
وفي هذِه الأحاديث: جواز تبليغ ما لا يجوز المقول فيه، وليس من النميمة لما فيه من المنفعة وكشف الخفاء عن السرائر الخبيثة، والنميمة المحرمة التي فيها المضرة على قائله ما يتعلق بالدين. وذكر أبو نعيم أن سنان بن وبرة هو الذي سمع عبد الله بن أبي يقول:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ} الآية. فيحمل على أنه سمعه مع زيد بن أرقم أيضًا توفيقًا بينهما.
(١) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الأذن عند أهل السنة لا تُثْبَتُ لله ولا تُنْفَى عنه، والسمع يعني إدراك المسموع، وهو من الصفات الذاتية. "شرح الواسطية" ١/ ١٦٣.