للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما استشهاده بقوله:

كلانا غني عن أخيه حياته … ونحن إذا متنا أشد تغانيا

فإنه إغفال منه، وذلك أن التغاني تفاعل من نفسين إذا استغنى كل واحد منهما عن صاحبه وتشاتما وتقاتلا. ومن قال هذا القول في فعل اثنين لم يجز أن يقول مثله في فعل الواحد، وغير جائز أن يقال: تغانى زيد وتضارب عمرو، وكذلك غير جائز أن يقال: تغنى زيد بمعنى استغنى، إلا أن يريد قائله أنه أظهر الاستغناء وهو به غير مستغنٍ، كما يقال: تجلد فلان إذا أظهر الجلد من نفسه، وهو غير جليد، وتشجع وهو غير شجاع، وتكرم وهو غير كريم. فإن وجه موجه التغني بالقرآن إلى هذا المعنى على بعده من مفهوم كلام العرب كانت المصيبة في خطابه في ذلك أعظم؛ لأنه لا يوجب بذلك من تأويله أن يكون الله تعالى لم يأذن لنبيه أن يستغني بالقرآن، وإنما أذن له أن يظهر للناس من نفسه ما هو به من (الخلاف) (١) وهذا لا يخفى فساده.

قال: ومما يبين فساد تأويل ابن عيينة أن الاستغناء عن الناس بالقرآن من المحال أن يوصف أحد أنه يؤذن له فيه أو لا يؤذن إلا أن يكون الإذن عند ابن عيينة الإذن الذي هو إطلاق وإباحة، فإن كان كذلك فهو غلط من اللغة، ومن إحالة المعنى عن وجهه؛ لأن الإذن مصدر. قولك: أذن فلان لكلام فلان فهو يأذن له: إذا استمع له وأنصت، كما قال تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (٢)} [الانشقاق: ٢] بمعنى: سمعت لربها وحق لها ذلك، كما قال علي بن يزيد:

إن همي في سماع وأذن


(١) كذا بالأصل، وفي "شرح ابن بطال" ١٠/ ٢٦٢: (الخلال).

<<  <  ج: ص:  >  >>