منها: قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} [الأنبياء: ٣٤] فالخضر إن كان بشرًا؛ فقد دخل في هذا العموم لا محالة، ولا يجوز تخصيصه إلا بدليل صحيح، والأصل عدمه حتى يثبت، ولم يذكر فيه دليل على التخصيص عن معصوم يجب قبوله. ومنها: أن الله تعالى قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)} [آل عمران: ٨١]. قال ابن عباس: ما بعث الله نبيًّا، إلا أخذ عليه الميثاق؛ لئن بعث محمد وهم أحياء؛ ليؤمنن به ولينصرنه. فالخضر إن كان نبيًّا أو وليًّا؛ فقد دخل في هذا الميثاق؛ فلو كان حيًّا في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، ويؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحدٌ من الأعداء إليه؛ لأنه إن كان وليًا، فالصديق أفضل منه، وإن كان نبيًّا، فموسى أفضل منه. روى الإمام أحمد بإسناده عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده؛ لو أن موسى كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتبعني" قال الحافظ ابن كثير في "القصص" ١/ ٣٥٩: إسناد صحيح. وهذا الذي يقطع به ويعلم من الدين علم الضرورة، فإذا علم هذا -وهو معلوم عند كل مؤمن-؛ علم أنه لو كان الخضر حيًّا، لكان من جملة أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وممن يقتدي بشرعه، لا يسعه إلا ذلك. ومن ذلك ما ثبت في الصحيح وغيرهما عن عبد الله: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ليلة العشاء، ثم قال: "أرأيتم ليلتكم هذِه؟ فإنه إلى مائة سنة لا يبقى ممن هو على وجه الأرض اليوم أحد". فهذا الحديث يقطع دابر دعوى حياة الخضر. اهـ. انظر: "قصص الأنبياء" ٢/ ٦٨٣ - ٦٨٨ لابن كثير.