أما ما ذكره البخاري عن ابن عباس: إِذَا حَرَّمَ الرجل امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَئ. يعني: فليس مؤبدًا تحريما وعليه كفارة يمين. وروي عنه أن فيه كفارة الظهار، وقد سلف.
وقال الطحاوي: روي في قوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ}[التحريم: ١] أنه - عليه السلام - قال:"لن أعود لشرب العسل" ولم يذكر يمينًا، فالقول هو الموجب للكفارة، إلا أنه يوجب أن يكون قد كان هناك يمين لقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التحريم: ٢] فدل هذا أنه حلف مع ذلك التحريم (١).
وقال زيد بن أسلم في هذِه الآية: إنه حلف - عليه السلام - أن لا يطأ مارية أم ولده، ثم قال بعد ذلك:"هي حرام" ثم أمره الله فكفر، فكانت كفارة ليمينه لا لتحريمه.
قال ابن المنذر: والأخبار دالة علي أنه - عليه السلام - كان حرم علي نفسه شربة من عسل، وحلف مع ذلك، فإنما لزمته الكفارة ليمينه لا لتحريمه ما أحل الله له، فلا حجة لمن أوجب فيه كفارة يمين.
قال المهلب: وهذِه الآية لم تحرم مالم يشرع فيه التحريم من المطاعم وغيرها والإماء، وأما الزوجات فقد شرع الله التحريم فيهن بالطلاق، وبألفاظ أخر مثل الظهار وغيره، فالتحريم فيهن بأي لفظ فهم أو عبر عنه لازم؛ لأنه مشروع، وغير ذلك من الإماء والأطعمة والأشربة وسائر ما يملك ليس فيه شرع على التحريم، بل التحريم فيه منهي عنه؛ لقوله تعالى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ}[التحريم: ١] وهذِه نعمة أنعم الله بها علي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وأمته،