للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وليس في حديث أنس إيلاء بأربعة أشهر، وإنما فيه أنه حلف أن لا يجامع نساءه شهرًا فبرَّ يمينه وترك إتمامه.

واحتج الكوفيون فقالوا: جعل الله التربص في الإيلاء أربعة أشهر، كما جعل في عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا، وفي عدة الطلاق ثلاثة قروء بلا تربص بعدها. قالوا: فيجب بعد المدة سقوط الإيلاء، ولا يسقط إلا بالفيء، وهو الجماع في داخل المدة. والطلاق بعد انقضاء الأربعة الأشهر.

واحتج أصحاب مالك فقالوا: جعل الله للمولي تربص أربعة أشهر؛ فهي له بكمالها لا اعتراض للزوجة عليه. كما أن الدين المؤجل لا يستحق صاحبه المطالبة به إلا بعد تمام الأجل (١). وتقدير الكوفيين للآية: فإن (فاءوا فيهن) (٢). وتقدير المدنيين: فإن فاءوا بعدهن. قال إسماعيل: ولا يخلو التخيير الذي جعل للمولي في الفيء أو الطلاق أن يكون في الأربعة أشهر أو بعدها، فإن كان فيها فقد بعضوه من الأجل الذي ضربه الله له، وإن قالوا: بعدها -وهو ظاهر القرآن- صاروا إلى قولنا، وكذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} [البقرة: ٢٣٤] إلى قوله: {بِالْمَعْرُوفِ}. فليس يجوز لها أن تعمل في نفسها شيئًا بالمعروف -وهو التزويج- إلا بعد تمام الأجل المضروب لها. وكل من أجل له أجل فلا سبيل عليه في الأجل وإنما عليه السبيل بعده، فنحن وهم مجمعون علي صاحب الدين أنه كذلك. وعلى العنين إذا ضُرب له أجل سنة أنه لا سبيل عليه قبل تقضيها، فإن وطئ


(١) انظر: "الاستذكار" ١٧/ ١٠٥ - ١٠٦.
(٢) في الأصل، (غ): فارقهن، والمثبت هو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>