حجة أهل الكوفة ما ذكره أبو عبيد: إنا وجدنا النساء في المتعة على ثلاثة ضروب، فكانت الآية التي فيها ذكر المتعين لصنفين منهم، وهن المطلقات بعد الدخول إن كان فرض لهن صداق أو لم يفرض، والمطلقات قبل الدخول مع تسمية صدقاتهن فلأولئك المهور كوامل بالمسيس ولهؤلاء الشطور منها بالتسمية، فلما صار هذان الحقان واجبين، كانت المتعة حينئذٍ تقوى من الله تعالى غير واجبة، ووجدنا الآية فيها ذكر الموسع والمقتر هي للصنف الثالث وهن المطلقات من غير دخول بهن ولا فرض لهن، وذلك قوله {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} الآية [البقرة: ٢٣٦]، فصارت المتعة لهن حتما واجبًا، ولولا هذِه المتعة لصار عقد النكاح إذًا يذهب باطلاً من أجل أنهن لم يمسسن فيستحققن الصدقات، ولم يفرض لهن فيستحققن أيضًا فيها، فلا بد من المتعة على كل حال.
واحتج من لم يوجبها أصلاً فقال: قوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ} وإن كان ظاهره الوجوب، فقد قرن به ما يدل على الاستحباب، وذلك أنه تعالى قرن بين المعسر والموسر، والواجبات في النكاح ضربان: إما أن يكون على حسب حال المنكوحات، كالصداق الذي يرجع فيه إلى صداق مثلها أو يكون على حسب حالهما جميعًا كالنفقات، والمتعة خارجة من هذين المعنيين؛ لأنه اعتبر فيها حالة الرجل وحده بأن يكون على الموسر أكثر مما على المعسر.
وأيضًا فإن المتعة لو كانت فرضًا كانت مقدرة معلومة كسائر الفراىض في الأموال، ولم نَرَ فرضًا واجبًا في المال غير معلوم، فلما لم تكن كذلك خرجت عن حد الفرض إلى الندب والإرشاد والإخبار وصارت كالصلة والهدية.