وروى ابن أبي عاصم من حديث أبي هريرة مثله مرفوعًا، ومن حديث عائشة أنه - عليه السلام - كان يستعذب له الماء من بيوت السقيا، ولا شك أن التماس الماء العذب لا ينافي الزهد، ولا يدخل في الترفه المكروه بخلاف تطييب الماء بالمسك، وشبهه الذي يكرهه مالك؛ لأنه نص على كراهة الماء المطيب بالكافور للمحرم والحلال قال: لأنه نوع من السرف.
وشرب الماء وطلبه مباح للصالحين والفضلاء وليس شرب الماء الزعاق أفضل من شرب العذب؛ لأنه - عليه السلام - كان يشرب العذب ويؤثره، وفيه القدوة والأسوة الحسنة ومحال أن يترك الأفضل في شيء من أفعاله، وفيه دلالة على استعذاب الأطعمة وجميع المآكل جائز لذوي الفضل وأن ذلك من أفعال الصالحين.
ولو أراد الله أن لا يؤكل لذيذ المطاعم لم يخلقها لعباده ولا امتن بها عليهم بل أراد منهم أكلها ومقابلتها من الشكر الجزيل عليها والحمد بما منَّ به منها بما ينبغي لكرم وجهه وعز سلطانه، فإن كانت نعمة لا تكافئ شكرًا عليها إلا بتجاوزه عن تقصيرنا، وقد قال أهل التأويل في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ}[المائدة: ٨٧] أنها أنزلت فيمن حرم على نفسه لذيذ المطاعم.
فصل:
بيرحاء: فيها لغات كثيره أسلفتها، واقتصر ابن التين هنا على أن الرواية بالمد والقصر، فإن كان منسوبًا إلى حاء التي هي من حروف الهجاء فهي تمد وتقصر، وإن كانت حاء من برح همز حاء أو تكون زجر الإبل بالمد والقصر أيضًا.