للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مبنية على الجزع من ذلك والألم فغير قادر أحد على تغيرها عما خلقها عليه بارئها، ولا يكلف أحد أن يكون بخلاف الجبلة التي جبل عليها.

وإنما كلف العبد في حال المصيبة أن لا يفعل ما له إلى ترك فعله سبيل، وذلك ترك البكاء على الرزية والتأوه من المرض.

فمن تأوه من مصيبة تحدث عليه أو فعل نظير الشيء من ذلك، فقد خرج من معاني أهل الصبر ودخل في معاني أهل الجزع، وممن روى ذلك مجاهد وطاوس، قال مجاهد: يكتب على المريض كل ما تكلَّم به حتى الأنين (١).

وقال ليث: قلت لطلحة بن مصرف: إن طاوسًا كره الأنين في المرض، فما سُمع لطلحة أنين حتى مات (٢). واعتلوا لقولهم بإجماع الجميع على كراهة شكوى العبد ربه على ضُرٍّ ينزل به أو شدة تحدث به، وشكواه ذلك إنما هو ذكر للناس ما امتحنه به ربه تعالى على وجه الضجر، قالوا: فالمتأوه: المتوجع في معنى ذاكره للناس متضجرًا به وأكثر منه، وقال: آه. وليس (٣) الذي قال: هؤلاء، يسيء.

وقال: إنما الشاكي ربه من أخبر عمَّا أصابه من الضر والبلاء متسخطًا قضاء الله فيه، فأما من أخبر به إخوانه ليدعوا له بالشفاء والعافية وأن استراحته من الأنين والتأوه فليس ذاك بشاكٍ ربَّه، وقد شكا الألم والوجع المؤذي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وجماعة من القدوة ممن ذكرهم البخاري في هذا الباب وغيرهم.


(١) "مصنف ابن أبي شيبة" ٢/ ٤٤٣ (١٠٨٣٠).
(٢) "مصنف ابن أبي شيبة" ٧/ ٢١٣ (٣٥٤٠١).
(٣) في الأصل: (ومن ليس)، والمثبت هو الملائم للسياق.

<<  <  ج: ص:  >  >>