للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قلت: ما معنى قوله: "وما أحبُّ أن أكتوي" قيل: معناه -والله أعلم- أن الكي إحراق بالنار وتعذيب بها، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ كثيرًا من (فتنة النار و) (١) عذاب النار، فلو اكتوى بها لكان قد عجل لنفسه ألم ما قد استعاذ بالله منه.

فإن قيل: فهل نجد في الشريعة مثل هذا مما أباحه لأمته ولم يفعله هو؟ قيل: بلى، وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - أباح لأصحابه أكل الضب وامتنع هو، وبين علة امتناعه منه فقال: "لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه".

ومثله عدم أكله الثوم والبصل والخضرات المنتنة الريح، وأباحها لأمته وقال: "إني أناجي من لا تناجي". وقال مرة: "إنه يحضرني من الله حاضر". فكذلك أباح الكي وكرهه في خاصة نفسه (٢).

فصل:

قوله: ("لا يسترقون") قيل: فيه دليل على كراهة التداوي، وقيل: ليس فيه دليل على منع الرقية، ووجهه أن يكون تركها توكلا على الله ورضًا بالبلاء والقضاء، وهذِه أرفع الدرجات، وذهب إلى هذا أبو الدرداء وغيره من الصحابة، وروي ذلك عن الصديق وابن مسعود.

ويحتمل أن يكون كره من الرقية ما كان على مذهب التمائم التي كانوا (في الجاهلية) (٣) يعلقونها، والعوذ التي كانوا في الجاهلية يتعاطونها يزعمون أنها تذهب الآفات عنهم، وكانوا يرون معظم السبب في ذلك الجن ومعونتهم، وهذا محظور محرم التصديق به، ويكره أيضًا الرقى بالعجمية؛ لأنه ربما يكون كفرا وقولًا يدخله الشرك.


(١) ساقطة من الأصل.
(٢) "شرح ابن بطال" ٩/ ٤٠٤.
(٣) ساقطة من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>