للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثالثها: أراد تعليم أن هذِه الأمراض لا تعدي بطبعها، ولكن الله يجعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإدامة مرضه، ثم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في سائر الأسباب، ففي الحديث الأول نفي ما كان يعتقده الجاهل من أن ذلك يعدي بطبعه، ولهذا قال: "فمن أعدى الأول"؟! وفي قوله: "فر من المجذوم" أعلم أن الله جعل ذلك سببا لذلك، فحذر من الضرر الذي يغلب وجوده عند وجوده بفعل الله، أو يكون قاله لمن ضعفت نفسه، والثاني قاله لمن قويت نفسه وزاد يقينه، فيخاطب كل إنسان بما يليق بحاله، وهو يفصل الحالين معا تارة بما فيه من (التسوية والتسريع) (١) وتارة بما يغلب عليه من القوة الإلهية، وقد ذكر ابن أبي شيبة ما يؤيد ما ذكرناه وهو قوله: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن مسلم، عن الوليد بن عبد الله أن نبي الله مر على مجذوم، فخمر أنفه، فقيل: يا رسول الله، أليس قلت: "لا عدوى ولا طيرة"؟ قال: "بلى" (٢).

وقال أبو بكر بن الطيب: زعم الجاحظ عن النظام أن قوله: "فر من المجذوم كما تفر من الأسد" يعارض قوله: "لا عدوى"، وهذا جهل وتعسف من قائله؛ لأن قوله: "لا عدوى" مخصوص، ويراد به شيء دون شيء، وإن كان الكلام ظاهره العموم فليس ينكر أن يخص العموم لقول آخر له أو استثناء، فيكون قوله: "لا عدوى" (المراد) (٣) به: إلا من الجذام والبرص والجرب، فكأنه قال: لا عدوى إلا ما كنت بينته لكم أن فيه عدوى وطيرة، فلا تناقض في هذا إذا رتبت الأخبار على ما وصفناه.


(١) غير واضحة بالأصل، ولعلها: (التشوية والزيغ) ..
(٢) "المصنف" ٥/ ٣١٢ (٢٦٤٠٠).
(٣) وقعت في الأصل المرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>