قرأ كبير الإثم المراد به كبائر، كان أولى في التأويل بدليل هذِه الآثار الصحاح وبالمتعارف المشهور في كلام العرب وذلك أنه يأتي لفظ الواحد يراد به الجمع، كقوله تعالى:{يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}[غافر: ٦٧] وقوله: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}[البقرة: ٢٨٥]. والتفريق لا يكون إلا بين اثنين فصاعدًا. والعرب تقول: فلان كثير الدينار والدرهم يريدون الدنانير والدراهم.
وقولهم: إن الصغائر كلها كبائر دعوى، وقد ميز الله بينها وبين ما سماه سيئات من غيرها بقوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا} الآية، وأخبر أن الكبائر إذا جونبت كفر ما سواها، وما سوى الشيء هو غيره، ولا يكون هو، ولا ضد الكبائر إلا الصغائر، والصغائر معلومة عند الأمة، وهي ما أجمع المسلمون على رفع الحرج في شهادة من أتاها، ولا يخفى هذا على ذي لُبٍّ.
وأما احتجاجهم بحديث:"إن الرجل ليتكلم بالكلمة .. " إلى آخره، فلا دلالة فيه أن تلك الكلمة ليست من الكبائر.
ومعنى الحديث: إن الرجل ليتكلم بالكلمة عند السلطان يغريه بعدو له يطلب أذاه، فربما قتله السلطان أو أخذ ماله أو عاقبه أشد عقوبة، والمتكلم بها لا يعتقد أن السلطان يبلغ به كل ذلك فيسخط الله عليه إلى يوم القيامة، وهذا كقوله:{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ}[النور: ١٥](١).