للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثالثها: في فوائده:

فيه: ترك شيء من الأمر بالمعروف، إِذَا خشي منه أن يكون سببًا لفتنة قوم ينكرونه ويسرعون إلى خلافه واستبشاعه، وترك المصلحة لمعارضة مفسدة أشد منها، فخشي - صلى الله عليه وسلم - أن تنكر ذَلِكَ قلوبهم لقرب عهدهم بالكفر، ويظنون أنه فعل ذَلِكَ لينفرد بالفخر، وعظم هدمها لديهم.

وقد روي أن قريشًا حين بنت البيت في الجاهلية تنازعت فيمن يجعل الحجر الأسود، فحكَّمُوا أول رجل يطلع عليهم، فطلعَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأى أن يحمل الحجر في ثوب، وأمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف الثوب، فرضوا بذلك (١). ولم يروا أن ينفرد بذلك واحد منهم خشية أن ينفرد بالفخر.

فلما ارتفعت الشبهة فعل فيه ابن الزبير ما فعل، فجاء الحجاج فردَّه كما كان، وتركه من بعده خشية أن يتلاعب الناس به، فيكثر هدمه وبنيانه، فتذهب هيبته من صدور الناس، كما قاله الإمام مالك لما سأله عن ذَلِكَ هارون الرشيد (٢).

وفيه: أن النفوس تُساس بما تُساس إليه في الدين من غير الفرائض بأن يترك ويرفع عن الناس ما ينكرون منها كما قررناه.


= الأئمة كلهم.
انظر ترجمته في: "التاريخ الكبير" ٢/ ٥٦ (١٦٦٩)، "الجرح والتعديل" ٢/ ٣٣٠ (١٢٥٨)، "تاريخ بغداد" ٧/ ٢٠ (٣٤٨٨)، "تهذيب الكمال" ٢/ ٥١٥ (٤٠٢).
(١) رواه ابن إسحاق في "سيرته" ص ٨٧ (١١٣)، والأزرقي في "أخبار مكة" ١/ ١٥٩.
(٢) انظر: "التمهيد" ١٠/ ٥٠.