وحجة من حمله على الندب أن قالوا: لما كان موضع جلوسه في المسجد أو حلقة العلم غير متملك له، ولم يستحقه أحد قبل الجلوس فيه لم يستحقه أحد بالجلوس فيه، وكان حكم الجلوس كحكم المكان في أنهما غير متملكين، قالوا: وأما حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - فقد تأوله العلماء على وجهين: على الوجوب، والندب، كما تأولوا حديث ابن عمر فقال محمد بن مسلمة: معنى قوله: "فهو أحق به" يريد إذا جلس في مجلس العالم فهو أولى به إذا قام لحاجة، فأما إن قام تاركًا فليس هو أولى به من غيره.
والوجه الثاني: روى أشهب عن مالك عن الذي يقوم من المجلس فقيل له: إن بعض الناس يقول: إذا رجع فهو أحق به. قال: ما سمعت به، وإنه لحسن إذا كانت أوبته قريبة وإن بعد ذلك حتى يذهب فيتغدى فهو لك فلا أرى ذلك له، وإن هذا من مجالس الأخلاق.
وقال الداودي: فيه أن من جلس مجلسًا يجب له الجلوس فيه فهو أحق به حتى يقوم. وظاهر الحديث أن الجالس أحق بموضعه، وقيل: إذا قام ليرجع كان أحق به، وقيل: إن رجع عن قرب كان أحق.