وقوله:"مغبون" هو نقص الرأي، قال ثعلب: غبن الرجل في البيع. يغبن غبنًا، وغبن رأيه غبنًا، وقال مكي: الغبن والغبن أصلهما النقص فبالإسكان: نقص في البيع، وبالفتح: نقص في الرأي وضعف. وفي "نوادر اللحياني": الغبن، والغبن والغبانة واحد، فكأنه قال: هذان الأمران نقص في الرأي كثير من الناس فيهما، فلا يستعملوهما في وقت الاحتياج إليهما، كما في الحديث الآخر، "ومن صحتك لسقمك ومن فراغك لشغلك"(١)، فإذا لم ينظر في نفسه في هذين الوقتين، فكأنه غبن فيهما، أي: باعهما ببخس لا تحمد عاقبته، أو ليس له في ذلك رأي البتة، فإن الإنسان إذا لم يعمل الطاعات من صلاة وصيام، وحج، وغزو، وشبهها في زمن صحته وشبابه، فأجدر أن لا يعمل شيئًا من ذلك في زمن الشيخوخة، وعلى هذا يقاس الفراغ.
وقال ابن الجوزي: قد يكون الإنسان صحيحًا، ولا يكون متفرغًا للعبادة؛ لاشتغاله بأسباب المعاش، وقد يكون متفرغًا من الأشغال ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا للعبد غلب عليه الكسل عن نيل الفضائل، فذاك الغبن، كيف والدنيا سوق الأرباح، والعمر قصير، والعوائق كثير.
الحديث الثاني: حديث أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى اله عليه وسلم - قَالَ:
(١) رواه الحاكم في "المستدرك ٤/ ٣٤١، من حديث ابن عباس، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (٣٣٥٥).