البكاء، ولهذا قال أبو ذر - رضي الله عنه -: لو تعلمون العلم لما ساغ لكم طعام ولا شراب، ولا نمتم على الفرش، ولا أحببتم النساء، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون وتبكون. وقال عبد الله بن عمرو: ابكوا، فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا، فلو تعلمون العلم لصلى أحدكم حتى ينكسر ظهره، ولبكى حتى ينقطع صوته.
وقال الفضيل: بلغني عن طلحة أنه ضحك يومًا فوثب على نفسه فقال: فيم تضحك؟ إنما يضحك من قطع الصراط، ثم قال: آليت على نفسي أن لا أكون ضاحكًا حتى أعلم متى تقع الواقعة. فلم ير ضاحكًا حتى صار إلى الله.
وقال الحسن: يحق لمن عرف أن الموت مورده، والقيامة موعده وأن الوقوف بين يدي الله تعالى مشهده، أن يطول في الدنيا حزنه. وقال سفيان: في قوله تعالى: {وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}[الأنبياء: ٩٠] قال: الحزن الدائم في القلب (١)، وقال: إنما الحزن على قدر البصر، وقال بعضهم: الحزن والخشية من مواريث القلوب التي ينال بها ما قبلها من الأعمال، فمن رام أن يقيم فرضه تامًّا فيصلي لله بكمال الصلاة، ويصوم بكمال الصيام، ويؤدي كذلك سائر الفرائض، ويقوم بالحق على نفسه وأهله ومن يسأل عنه في مخالطته ومداخلته، ويقيم ما أمر به في لسانه وسمعه وبصره وجميع جوارحه حتى يدخل في قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت: ٣٠] وجد نفسه عن ذلك عاجزًا مقصرًا، فإذا رأى بعين جلية وعلم قرب أجله وعظم خطيئته، وأن الوقوف بين يدي الله تعالى من ورائه، حزن على