للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن قلت: كيف يسلم من الرياء والسمعة في العمل في الظاهر؟ وقد روي عن عمر وعثمان وابن مسعود - رضي الله عنه -، وجماعة من السلف أنهم كانوا يتهجدون من الليل في مساجدهم بحيث يعلم ذلك من فعلهم معارفهم، وكانوا (يدركون) (١) إظهار المحاسن من أعمالهم مع ما تواترت به الآثار أن أفضل العمل ما استتر به صاحبه.

قلت: الناس فيه نوعان: فأما من كان إمامًا يقتدى به، ويستن بعمله، عالمًا بما لله عليه في فرائضه ونوافله، قاهرًا لكيد عدوه فسواء عليه ما ظهر من عمله وما خفي منه؛ لإخلاصه نيته لله تعالى، وانقطاعه إليه بعمله، بل إظهاره ما يدعو عباد الله إلى الرغبة في مثل حاله من أعماله السالمة أحسن -إن شاء الله- وإن كان ممن لا يقتدى به، ولا يأمن من عدوه قهره، ومن هواه غلبه حتى يفسد عليه عمله؛ فإخفاؤه النوافل أسلم له، وعلى هذا كان السلف الصالح.

وروى حماد عن ثابت، عن أنس - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمع رجلاً يقرأ، ويرفع صوته بالقرآن فقال: "أواب" وسمع آخر يقرأ فقال: "مرائي"، فنظروا فإذا الأواب المقداد بن عمرو (٢).

وروى الزهري عن أبي سلمة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن عبد الله بن حذافة صلى، فجهر بالقراءة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا ابن حذافة، لا تسمعني، وأسمع الله" (٣).

وقال وهب بن الورد: لقي عالم عالمًا هو فوقه في العلم فقال:


(١) في (ص ٢): (يتذكرون).
(٢) رواه ابن عبد البر في "الاستيعاب" ٤/ ٤٤.
(٣) رواه أحمد ٢/ ٣٢٦، والبيهقي في "السنن" ٢/ ١٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>