للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد أسلفنا هناك أن معنى قوله: "لا نورث ما تركنا صدقة" هو من معنى قوله: "إن آل محمد لا يحل لهم الصدقة"، ووجه ذلك والله أعلم أنه لما بعثه الله إلى عباده ووعده -على التبليغ لدينه والصدع بأمر- الجنة، وأمره أن لا يأخذ منهم على ذلك أجرًا ولا شيئًا من متاع الدنيا بقوله تعالى: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [ص: ٨٦] وكذلك سائر الرسل في كتاب الله كلهم يقول: لا أسألكم عليه مالاً ولا أجرًا إن أجري إلا على الله وهو الجنة، أراد - عليه السلام - أن لا ينسب إليه من متاع الدنيا شيء يكون عند الناس في معنى الأجر والثمن، فلم يحل له شيء منها؛ لأن ما وصل إلى المرء وأهله فهو واصل إليه، فلذلك -والله أعلم- حرم الميراث على أهله؛ لئلا يُظن به أنه جمع المال لورثته، كما حرمهم الصدقات الجارية على يديه في الدنيا لئلا ينسب إلى ما تبرأ منه في الدنيا، وفي هذا وجوب قطع الذرائع. وقد روى ابن عيينة عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة" (١) فهو عام في جميع الأنبياء، ولا تعارض بين هذا وقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: ١٦] لأن المراد إرث النبوة والعلم والحُكْم، وكذلك قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: ٦] المراد: النبوة والعلم؛ لأن، ذلك إذا صار إلى ولده لحقه من الفضل أكثر مما يلحقه إذا صار ذلك إلى غير ولده؛ لقوله - عليه السلام -: "إن الرجل ليرفع بدعاء ولده من بعده" (٢) فرغب زكريا أن يرث علمه ولده الذي يخرج من صلبه، فيكون تقدير الآية على هذا {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ} [مريم: ٥]


(١) رواه أحمد في "مسنده" ٢/ ٤٦٣.
(٢) رواه بنحوه ابن ماجه (٣٦٦٠)، وأحمد ٢/ ٥٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>