الكوفيون في هذا فقالوا كقولنا في المكره بوعيد بقطع عضو، أو قتل، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى فلان: أنه في سعة من ذلك؛ لأنه كالمضطر، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمور، وإن أبى أن يأخذ حتى قتله كان عندنا في سعة، فيقال لهم: هذا مال مسلم قد أحللتموه بالإكراه حتى يقتل.
واختلف أصحابنا في وجوب التلفظ على وجهين أصحهما: لا يجب، والثبات أفضل.
قال ابن بطال: وحديث خباب حجة لأصحاب مالك؛ لوصفه - عليه السلام - عن الأمم السالفة من كان يمشي لحمه بأمشاط الحديد وينشر بالمناشير بالشدة في دينه والصبر على المكروه في ذات الله ولم يكفروا في الظاهر ويبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عنهم، فمدحهم - عليه السلام - بذلك، وكذا حديث أنس - رضي الله عنه - سوى فيه الشارع بين كراهة المؤمن الكفر وكراهيته لدخول النار، وإذا كان هذا حقيقة الإيمان فلا محالة أن الضرب والهوان والقتل عند المؤمن أسهل من دخوله النار، فينبغي أن يكون أسهل من الكفر إن اختار الأخذ بالشدة على نفسه (١).
وأما ابن التين فقال: هكذا ذكر بعضهم وما ظهر لي فيه حجة؛ لأن العلماء متفقون على اختيار القتل في الكفر، وإنما يكون هذا حجة على من يقول: إن اختار الكفر أو الارتداد في حديث أنس - رضي الله عنه -، وأن يكره أن يعود في الكفر.
وقال في حديث خباب:"فما يصده ذلك عن دينه" والكفر قد اتفقوا على اجتناب القتل فيه فيكون حجة، وتبويب البخاري يُشعر بهذا؛ لقوله