للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحادي بعد العشرين: إثبات حديث النفس، وهو مذهب أهل الحق، ثم حديث النفس قسمان: ما يهجم عليها ويتعذر دفعه عنها، وما يسترسل معها ويمكن قطعه، فيحمل الحديث عليه دون الأول؛ لعسر اعتباره. ولفظ الحديث بقوله: "لا يحدث" فإنه يشهد له بتكسبٍ وتَفعُّلٍ لحديث النفس؛ لأن الخواطر ليست من جنس مقدور العبد معفو عنها؛ فمن حصل له ذَلِكَ العمل حصل له ذَلِكَ الثواب، ومن لا فلا، ولا يكون ذَلِكَ من باب التكاليف حتى يلزم دفع العسر عنه.

نعم، لابد أن تكون الحالة المرتب عليها الثواب المخصوص ممكنة الحصول، وهي التجرد عن شواغل الدنيا، وغلبة ذكر الله تعالى على القلب وتعميره به، وذلك حاصل لأهل العناية ومحكي عنهم. ونقل القاضي عياض عن بعضهم أن ما يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة، ويكون ذَلِكَ صلاة من لم يحدث نفسه بشيء؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما ضمن الغفران لمراعي ذَلِكَ؛ لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس.

وإنما حصلت له هذِه المرتبة؛ لمجاهدته نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين، وسلم من الشيطان باجتهاد وتفريغه قلبه (١).

ولم يرتض النووي في "شرح مسلم" هذا بل قَالَ: الصواب حصول هذِه الفضيلة مع طرآن الخواطر العارضة غير المستقرة (٢).


(١) انظر: "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١/ ٣٥١ - ٣٥٣.
(٢) انظر: "صحيح مسلم بشرح النووي" ٣/ ١٠٨.