الله تعالى إلا والله تعالى مريد لجميع ذلك سواء كان آمرًا بذلك عباده أو ناهيًا لهم عنه، فغير جائز أن يقال: فعل فعلًا من أفعاله، والقول إنه فاعل بسبب من الأسباب أو من أجل داع يدعوه إلى فعله؛ لأن السبب والداعي فعل من أفعاله، والقول بأنه فاعل بسبب يفضي إلى تعجيزه لحاجته إلى ما لا يصح وقوعه من فعله إلا بوقوع غيره -تعالى الله عن ذلك- وإذا فسد هذا وجب حمل قوله - عليه السلام -: "إن أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته" على غير ظاهره، وصرفه إلى أنه تعالى فاعل سؤال السائل الذي نهاه عنه ومقدر أن يحرم الشيء الذي يسأل عنه إذا وقع السؤال فيه كل ذلك سبق به القضاء والقدر؛ لأن السؤال موجب للتحريم وعلة له.
وكذلك قوله - عليه السلام -: "ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم" يعني: من كثرة مطالبكم لي بالخروج إلى الصلاة حتي خشيت أن تكتب عليكم عقابًا لكم علي كثرة ملازمتكم لي في مداومة الصلاة بكم، لا أن ملازمتهم له موجبة لكتابة الله عليهم الصلاة لما ذكرنا من أن الملازمة والكتب فعلان لله تعالى غير جائز وقوع أحدهما شرطًا في وقوع الآخر، ولو وقعت الملازمة ووقع كتابة الصلاة عليهم لكان ذلك مما سبق به القضاء والقدر في علم الله تعالى، وإنما نهاهم - عليه السلام - عن مثل هذا وشبهه تنبيهًا لهم علي ترك الغلو في العبادة وركوب القصد فيها؛ خشية الانقطاع والعجز عن الإتيان بما طلبوه من الشدة في ذلك، ألا تري قوله تعالى فيمن فعل مثل ذلك:{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة: ١٠٢] يعني: فرضت عليهم، فعجزوا عنها فأصبحوا بها كافرين، وكان - عليه السلام - رءوفًا بالمؤمنين رفيقًا بهم.
وقد تقدم مثل حديث زيد بن ثابت - رضي الله عنه - من رواية عائشة في أبواب