للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحد، ومن شرط المزيد وحقيقته أن تكون الإرادة موجودة فيه دون من سواه، ويستحيل (إحداثه) (١) لها لا في نفسه ولا في غيره؛ لأن ذلك يوجب قيامها بنفسها واحتمالها للصفات وأضدادها.

ولو صح ذلك لم تكن إرادته له أولى أن تكون لغيره، وإذا فسدت هذِه الأقسام الثلاثة ثبت كون الإرادة قديمة قائمة به (تعالى) (٢)، وصح كونه مريدًا، ووجب تعلقها بكل ما صح كونه مرادًا له تعالى. وهذِه المسألة مبنية على صحة القول بأنه تعالى خالق لأفعال العباد، وأنهم لا يفعلون إلا ما يشاء، وقد دل على ذلك بقوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ} [الإنسان: ٣٠]، وما تلاه من الآيات، وبقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: ٢٥٣] فنص الله تعالى على أنه لو شاء الله أن لا يقتتلوا لما اقتتلوا، فدل أنه تعالى شاء ما شاءوه من أفعالهم، وأنه لو لم يشأ اقتتالهم لم يشاءوه ولا كان موجودًا، ثم أكد ذلك بقوله: {وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد}.

فدل أنه فعل اقتتالهم الواقع منهم لكونه شائيًا له، وإذا كان فاعلًا لاقتتالهم وجب كونه شائيًا لمشيئتهم وفاعلًا لها، فيثبت بهذه الآية أنه لا كسب للعباد طاعة ولا معصية إلا وهو فعل له ومراد له، وإن لم يرده منهم لم يصح وقوعه، وما أراده منهم فواجب وقوعه إذ هو المتولي إيجاده، والمقدر لخلقه على اكتسابه، بخلاف قول القدرية إنه مريد للطاعة من عباده وغير مريد للمعصية، وقد بان بهذا فساد قولهم (٣)، أن أفعال العباد خلق لله تعالى في هذا الباب وغيره.


(١) في الأصل: (إحداثها).
(٢) من (ص ١).
(٣) ورد بهامش الأصل: لعله سقط: و.

<<  <  ج: ص:  >  >>