شَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: ١٥٥]، فثبت أن إضافة النسيان إلا نفسه لأجل قيامه أنه مخترع له، والعرب تضيف الفعل إلا من وجد به وإن لم يكن مخترعًا له، وقد نطق بذلك القرآن في مواضع كثيرة، وكذلك إضافته النسيان إلى الشيطان فليس على معنى أن الشيطان فاعل لنسيانه. وإنما تأويله أن الشيطان وسوس إليَّ حتى نسيت الحوت؛ لأن فتى موسى إذ لم يمكنه أن يفعل نسيانه القائم به كان الشيطان أبعد من أن يفعل فيه نسيانًا، وكانت إضافته إليه على سبيل المجاز والاتساع.
فصل:
قال المهلب: وقوله - عليه السلام -: "لا يقولن أحدكم: إن شئت أعطني" فمعناه -والله أعلم- أن سؤاله إياه على شرط المشيئة يوهم أن إعطاء غير وجهه يمكن أن يكون على غير مشيئته، وليس بعد المشيئة وجه إلا (الإكراه)(١)، والله تعالى لا مكره له كما قال - عليه السلام -، والعبارة الموهمة في صفات الله تعالى غير جائزة عند أهل السنة؛ لما في ذلك من الزيغ بأقل توهم يقع في نفس السامع لتلك العبارة.
ثم إن حقيقة السؤال من الله هو أن يكون السائل محتاجًا إلى الله تعالى فيما سأل، محقًّا في سؤاله ومتى طلب بشرط لم يحقق الطلب؛ فلذلك أمره الشارع بالعزم في طلب الحاجة.
فصل:
وأما قول علي - رضي الله عنه -: (إن أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا)، فيه: أن إرادة العبد للعمل ولتركه لا يكون إلا عن إرادة الله تعالى ومشيئته، بخلاف قول القدرية: أن للإنسان إرادة ومشيئة دون إرادة