للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما قوله في حديث عائشة - رضي الله عنها - "يقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم" فإنما نسب خلقها إليهم، توبيخًا لهم وتقريعًا لهم، في مضاهاتهم الله تعالى في خلقه فبكتهم بأن قال لهم: فإذ قد شبهتم مخلوقات الله تعالى فأحيوا ما خلقتم كما أحيا هو تعالى ما خلق فينقطعون بهذِه المطالبة (حتى) (١) لايستطيعون نفخ الروح في ذلك.

ومثل هذا قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي" يريد: يصور صورة تشبه خلقي، فسمى فعل الإنسان في تصوير مثالها خلقًا له؛ توبيخًا له على تشبهه بالله تعالى فيما صور وأحكم وأتقن على غير مثال احتذاه، ولا من شيء قديم ابتدأه، بل أنشأ من معدوم، وابتدع من غير معلوم، وأنتم صورتم من خشب موجود، وحجر غير مفقود، على شبه معهود، مضاهين له وموهمين الأغمار أنكم خلقتم كخلقه، فاخلقوا أقل مخلوقاته وأحقرها الذرة (المتغذية) (٢) في أدق من الشعر، وأنفذ منكم نفذًا في نحت الحجر فتتخذه مسكنًا وتدخر فيه قوتها نظرًا في معايشها، أو اخلقوا حبة من هذِه الأقوات التي خلقها الله تعالى لعباده، ثم يخرج منها زرعًا لا يشبهها نباته، (ثم) (٣) يُطلع منها بقدرته من جنسها بعد أن أعدم شخصها عددًا من غير زرع نباتها الأخضر قدرة بالغة لمعتبر، وإعجازًا لجميع البشر (٤).


(١) في هامش الأصل: لعله: حين.
(٢) كذا بالأصل، وفي ابن بطال: المتعدية.
(٣) في الأصل: يوم، والمثبت من "شرح ابن بطال".
(٤) انظر: "شرح ابن بطال" ١٠/ ٥٥٣ - ٥٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>