وقال ابن بطال: استدلاله بقوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وسائر أحاديث الباب على إثبات يدين لله تعالى هما صفتان من صفات ذاته ليستا بجارحتين بخلاف قول المجسمة المثبتة أنهما جارحتان، وخلاف قول القدرية النفاة لصفات ذاته ثم إذا لم يجز أن يقال: إنهما جارحتان لم يجز أن يقال: إنهما قدرتان ولا أنهما نعمتان؛ لأنهما لو كانتا قدرتين لفسد ذلك من وجهين: أحدهما: أن الأمة أجمعت من بين ناف لصفات ذاته وبين مثبت لها أن الله تعالى ليس له قدرتان بل واحدة في قول المثبتة ولا قدرة في قول النافية لصفاته؛ لأنهم يعتقدون كونه قادرًا بنفسه لا بقدرته، والآخر: أن الله تعالى قال لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} الآية قال إبليس مجيبًا له: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ} فأخبر بالعلة التي لأجلها لم يسجد، وأخبره تعالى بالعلة التي لها أوجب السجود وهي خلقه بيده، فلو كانت القدرة: اليد التي خلق آدم بها وبها خلق إبليس لم يكن لاحتجاجه تعالى عليه بأن خلقها بما يوجب عليه السجود معنًى؛ إذ إبليس مشارك لآدم فيما خلقه به تعالى من قدرته، ولم يفخر إبليس بأن يقول له: أي رب فأي فضل له وأنا خلقتني بقدرتك كما خلقته، ولم يعدل إبليس عن هذا الجواب إلى أن يقول: أنا خير منه؛ لأنه خلقه من نار وخلق آدم من طين، فعدول إبليس عن هذا الاحتجاج مع وضوحه دليل على أن آدم خصه الله من خلقه بيده بما لم يخص به إبليس، وقد يسوغ للقدرية القول بأن اليد هنا القدرة، وظاهر الآية مع هذا يقتضي يدين، فينبغي على الظاهر إثبات قدرتين وذلك خلاف الأمة ولا يجوز أن يكون المراد باليدين: نعمتين؛ لاستحالة خلق المخلوق بمخلوق مثله؛ لأن النعم مخلوقة كلها، وإذا استحال كونهما