للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وهنا أذكر ما كان يكرره علينا بعض إخواننا في بداية الطلب -تبعا لمنظريهم- من عدم الحاجة للتبحر في علوم الحديث، بحجة أن السابقين قد كفونا مؤونة ذلك ولا حاجة للتدقيق الشديد في روايات السنة والبحث في خباياها، واستبدال ذلك بما هو أكثر نافعا من علوم واقعية -زعموا- تنفع المسلمين ولا تجدد الخلافات المذهبية التي عفا عليها الزمان.

ولك أن تتصور إلى أي مدًى كان سيصل الحال بالمسلمين لو اتبعوا كلام هؤلاء المنظرين وقصَّروا في تعلم سنة نبيهم، ولوجد المشككون مَرْتعا خصبًا لأفكارهم التي هي بداية لإنكار الإسلام بالتشكيك في أصليه العظيمين: الكتاب والسنة.

وأحب أن أشير إلى أمور في هذا السياق:

الأول: أن من بدايات بدعة إنكار السنة في الأوساط المنتسبة للإسلام بالطريقة المنتشرة هذِه الأيام كانت من المعتزلة، فإنهم غلوا في شأن العقل، وجعلوه هو العالِم بحسن الفعل وقبحه، وصار الاستدلال بالقرآن والسُّنة عندهم اعتضادًا لا اعتمادًا، وردُّوا الأحاديث غير الموافقة لأغراضهم ومذاهبهم، وهذا هو عين فكر منكري السُّنة اليوم؛ لذا تجد الفريقين قد اشتركا في التشكيك في منزلة الصحاح، وفي إنكار عذاب القبر والميزان ورؤية الله في الآخرة .. وغير ذلك من البدع المشهورة عنهم. وأنكر حجية السنة أيضًا الخوارج والروافض.

الثانى: أن التسليم بهذا القول يترتب عليه فساد أصل الدين والاعتقاد، بل والرسالة كلها، فلو كان الأمر كما يظنون فكان يكفي أن ينزل القرآن من عند الله بطريقة ما وقد تكفل سبحانه بحفظه، ولا حاجة لرسول أو لتطبيق عملي لهذا الكتاب لأننا سننكر هذا التطبيق لو وصل إلينا، ومفاسد هذا القول أكثر من أن تُحصى، وأقل