وقوله:(ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدًا) لا شك أن الصديق كما ستعلمه في الهجرة لما أوذي خرج من مكة حتى بلغَ بْرك الغِمَاد فرده ابن الدغنة، ورجع معه إلى مكة، وأجاره بشرط أن يصلي في بيته، ولا يعلن بالقراءة، ثم بعد ذلك بدا للصديق فابتنى هذا المسجد بفناء داره فسير المشركون إلى ابن الدغنة فجاء الصديق فقال له: إما أن تصلي في بيتك وإلا فرد جواري؛ فقال الصديق: فإني أرضى بجوار الله، وأرد إليك جوارك، وهذا من ندى الصديق وفضله، فإنه قصد بذلك إظهار الدين.
وأجاز مالك بناء المسجد بفناء الدار إذا كان لا يضر بالسالكين؛ لأن نفعه كالاستغراق، وإليه ذهب البخاري في ترجمته قال ابن شعبان في "الزاهي": وينبغي تجنب الصلاة في المساجد المبنية حيث لا يجوز بناؤها من الطرقات ونحوها؛ لأنها وضعت في غير حقها فمن صلى فيها متأولًا أنه يصلي في الطريق أجزأ قال: ولو كان مسجد في متسع وأراد الإمام الزيادة فيه ما لا يضر بالسالكين لم يمنع عند مالك ومنعه ربيعة، وصححه ابن بطال؛ لأنه غير عائد إلى جميعهم، وقد ترتفق به الحائض والنفساء، ومن لا يجب عليه من الأطفال ومن يملكه من أهل الذمة (١).
فائدة:
ساق البخاري قطعة من حديث الزهري عن عروة مرسلة، وهي مسندة في بعض نسخ "المغازي" لابن عقبة -فيما رويناه في كتاب البيهقي- (عن أبيه).