للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فإن الحديث مثال، وليس المراد عملًا خاصًّا بهذا الوقت هو صلاة، بل المراد سائر أعمال الأمة من سائر الصلوات وغيره من العبادات في سائر مدة بقاء الأمة إلى قيام الساعة، وتحتمل المطابقة ما سلف عن المهلب من أنه نبه عَلَى أن إعطاء البعض حكم الكل في الإدراك غير بعيد، كما أعطيت هذِه الأمة ببعض العمل في بعض النهار حكم جملة العمل في جملة النهار، فاستحقت جميع الأجر، وفيه بعد، فإنه لو قَالَ: إن هذِه الأمة أعطيت ثلاثة قراريط لكان أشبه، ولكنها ما أعطيت إلا بعض أجرة جميع النهار؛ لأن الأمتين قبلها ما استوعبا النهار فأخذتا قيراطين، وهذِه الأمة إنما أخذت أيضًا قيراطين، نعم عملت هذِه قليلًا فأخذت كثيرًا، ثم هو أيضًا منفك عن محل الاستدلال؛ لأن عمل هذِه الأمة آخر النهار كان أفضل من عمل المتقدمين قبلها، ولا خلاف أن صلاة العصر متقدمة أفضل من صلاتها متأخرة، ومراده عند الجمهور كما علمته في موضعه، ثم هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أن صيام آخر النهار لا يقوم مقام جملته، وكذلك سائر العبادات فالأول أولى (١).

ثالثها:

قوله: ("إنما بقاؤكم فيما سلف من الأمم") في رواية الترمذي: "إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم" (٢) وهذا مثل ضربه - عليه السلام - لعمل هذِه الفرق الثلاثة، وهو إشارة إلى قرب الساعة وقلة ما بقي من الدنيا. وفي حديث أبي موسى أن اليهود طال زمن عملهم وزاد عَلَى مدة النصارى؛ لأنه كان بين موسى وعيسى في رواية


(١) انظر: "المتواري" ص ٩٢ - ٩٤.
(٢) الترمذي (٢٨٧١) كتاب: الأمثال، باب: ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله.