للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لقوة يقينها ومراعاة أصل دينها، فإن زلت فأكثر زللها في الفروع جريًا بمقتضى الطباع لا قصدًا، ثم تتداركه بالاعتراف الماحي للاقتراف، وعموم ذَلِكَ ممن قبلهم كان في الأصول والمعاندة للشرائع كقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا} [الأعراف: ١٣٨] وكامتناعهم من أخذ الكتاب حَتَّى نتق الجبل فوقهم، و: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا} [المائدة: ٢٤] وقد علم ما كانت الصحابة تؤثره وتزدحم عليه من الشهادة في سبيله، وهذا مَنٌّ منه لا وجوب عليه تعالى، ولما قالت اليهود والنصارى: "ما لنا أكثر عملًا وأقل أجرًا؟ " فقال الرب جل جلاله: "هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟ -يعني: الذي شرطت لكم- قالوا: لا. قَالَ: فذلك فضلي أوتيه من أشاء". ولعل قولهم: "نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً" (١) أي: لا نرضى بهذا، ثم تركوا ذَلِكَ وقالوا: "لك ما عملنا باطلا" كما سلف، واتفقا الحديثان، وجاء في بعض الروايات: "فغضبت اليهود والنصارى"- يعني: الكفار؛ لأن غيرهم لا يغضب من حكم الرب تعالى. وقال الإسماعيلي: إنما قالت النصارى: نحن أكثر عملًا؛ لأنهم امنوا بموسى وعيسى، فكان لهم عمل اليهود وزيادة ما عملوا من الإيمان بعيسى إلى أن بُعث نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام.

وما ذكره من إيمان النصارى بموسى فيه نظر. ويحتمل أن يكون قولهم: "نحن أكثر عملًا" يعني: اليهود؛ لأنهم عملوا ست ساعات.

وقولهم: "وأقل عطاء". يعني: النصارى، وإن كانوا متقاربين مع المسلمين في العمل، فيكون الحديث عَلَى العموم في اليهود، وعلى الخصوص في النصارى، وقد يأتي في الكلام إخبار عن جملة،


(١) سيأتي برقم (٢٢٦٩) كتاب: الإجارة، باب: الإجارة إلى صلاة العصر.