للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر؛ لكمال الإخلاص، وهو على حسب حال الذاكر وبحسب ما يتكشف له من أوصافه تعالى، فإن انكشف له غضبه وسخطه فبكاؤه من خوف، وإن انكشف جلاله وجماله فبكاؤه من محبة وشوق، وهكذا يتلون الذاكر بتلون ما يذكر من الأسماء والصفات، {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢]، ومن ذكره لم يعذبه؛ لأنه يعلم من يموت على الهدى وضده، ولا يذكر إلا من يموت على الهدى، قاله الداودي.

وفي اشتراط الخلوة بذلك حض وندب على أن يجعل المرء وقتًا من خلوته للندم على ذنوبه، ويفزع إلى الله تعالى بإخلاص من قلبه، ويتضرع إليه في غفرانها، فإنه يجيب المضطر إذا دعاه، وأن لا يجعل خلوته كلها في لذاته كفعل البهائم التي قد أمنت الحساب في المساءلة عن الفتيل والقطمير على رءوس الخلائق، فينبغي لمن لم يأمن ذلك، وأيقن أن يطول في الخلوة بكاؤه ويتبرم بجنانه، وتصير الدنيا سجنه لما سلف من ذنوبه. وروى أبو هريرة مرفوعًا: "لا يلج النار أحد بكى من خشية الله تعالى حتى يعود اللبن في الضرع" (١).

وروى أبو عمران عن أبي الجلد قال: قرأت في مسالة داود - عليه السلام - ربه تعالى: يا إلهي ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه، قال: أسلم وجهه من لفح النار وأؤمنه يوم الفزع (٢).


(١) رواه الترمذي (١٦٣٣) كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله، وأحمد ٢/ ٥٠٥ والحاكم ٤/ ٢٦٠، والبيهقي في "الشعب" ١/ ٤٩٠ (٨٠٠)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (١٣٣٣).
(٢) رواه ابن المبارك في "الزهد" ١/ ١٦٤ (٤٧٧)، وأبو نعيم في "الحلية" ٦/ ٥٦ - ٥٧.