وأبعد من أنكر وجودهم، وإنما قيل: بإنكار تسلطهم على البشر، والصواب الذي لا شك فيه أنهم موجودون.
وهل هم أجسام أو جواهر قائمة بأنفسها؟ قولان.
وقام الاتفاق على تعذيبهم قال تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} والصواب أن مؤمنيهم يدخل الجنة ينعم، قال تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} بعد قوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} الآيات. وعن أبي حنيفة: لا، وإنما تحصل لهم النجاة من النار، قال تعالى:{وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} ثم يصيرون ترابًا.
الثالثة: كان خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف واستماع الجن بعد موت عمه وخديجة، وقبل المعراج، فلم يستجب له أحد، ورجع في جوار المطعم بن عدي، وذلك -يعني: خروجه- في شوال سنة عشر من النبوة، وكان معه زيد بن حارثة فاستمع له الجن وهو يقرأ سورة الجن، كذا في "طبقات ابن سعد"، وتأمل رواية البخاري التي سقناها فإن ظاهرها أن سورة الجنّ إنما نزلت بعد استماعهم (١).
الرابعة: زعم جماعة أن الشهب قد لا تصيبهم، منهم السهيلي، وهذا فائدة تعرضهم لذلك بعد علمهم به، ويجوز أن ينسوه لينفذ فيهم القضاء كما قيل في الهدهد أنه يرى الماء في تخوم الأرض، ولا يرى الفخ على ظاهرها.
قال ابن عباس: كانت لا تحجب عن السموات، فلما ولد عيسى منعت من ثلاث، فلما ولد نبينا منعت من الكل.
(١) انظر ذلك بتفصيل في: "سيرة ابن هشام": ٢٨/ ٢ - ٣١، و"البداية والنهاية": ٣/ ١٤٧ - ١٥٠، و"تاريخ الإسلام" للذهبي: ١/ ١٩٧ - ٢٠٢ و ٢٨٢ - ٢٨٦.