للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وبلغ الإهتمام بالعلم والعلماء، وانتشار المعرفة والرغبة فيها مداه في عهد المأمون، حيث كثرت مجالس العلماء والحوار والمناظرة، وكان الخليفة نفسه يشارك فيها مما أدى إلى إطلاق الفكر من قيود التقليد، وانتشار الحرية الدينية، فظهرت البدع والفرق، وتأثر المأمون بآراء المعتزلة في القول بخلق القرآن وانتصر لهم (١).

ودعا العلماء والفقهاء إلى القول بذلك، فحصلت الفتنة وأوذي فيها خلق كثير، وعلى رأسهم الإمام ابن حنبل والإمام البخاري فيما بعد.

وقد ظل الناس مفتونين مضطهدين بمقولة خلق القرآن، مدة طويلة حتى عهد المتوكل، فهو الذي أمر برفع هذِه المحنة، وترك الناس أحرارًا فيما يعتقدون.

وامتاز هذا العصر أيضًا بأن المسلمين نقلوا فيه إلى لغتهم، ما كان معروفًا من العلم والطبيعة والطب والرياضيات عن سائر الأمم المتمدنة كاليونان والفرس والهند، حتى قيل بأن ما نقله العرب في قرن لم يستطع نقله الفرس في قرون. وفي هذا العصر أيضًا ازدهر علم الأرصاد وتطور، وبدأت الفلسفة تنتشر وتنمو، وظهر فلاسفة كبار كيعقوب بن إسحاق الكندي وغيره.

ويمكن القول بأنه في العصر العباسي الأول، توطدت دعائم الفقه وازدهر، ونقل إلى العربية أغلب علوم اليونان والفرس والهند، وظهر علم الكلام وأخذ ينتشر.

أما العصر العباسي الثاني (٢٣٢ - ٣٣٤ هـ) فيبتدئ بخلافة المتوكل، ومحاولته كبح جماح الموالي ونفوذ الأتراك، الذي أخذ يطغى أواخر


(١) "تاريخ آداب اللغة العربية" ٢/ ٢٢، ٢٣.