وقوله:(ففزع الناس) سببه أنهم كانوا إِذَا رأوا منه غير ما يعهدون تخوفوا أن يكون أتى فيهم شيء.
وقوله:(فخرج عليهم) سببه إما علمه بأنهم قد فزعوا، أو لعله يفرقه عليهم قبل أن يتفرقوا، والتبر: قطع الذهب. قيل: والفضة. قيل: جميع ما يستخرج من المعدن قبل أن يضرب دنانير. والقطعة منه: تبرة. قَالَ تعالى:{إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ}[الأعراف: ١٣٩] أي: منقطع ذاهب. وقيل: من التبر، وهو الهلاك والتبديد. وقيل: لأن صاحبه يلحقه من التعزير ما يوجب هلاكه، فهو من التبار، وهو الهلاك.
وقوله: ("فيحبسني") أي: يشغل ضميري فيحبسه عما يريده من الأعمال. وقيل: يحبسني في الآخرة. حكاه ابن التين.
وأما حكم الباب فالتخطي لما ترجم له مباح، ومثله ما لا غنى للإنسان عنه كإزالة حقنه ورعافه، والمكروه إِذَا كان في موضع يشغل الناس فيه عن الصلاة أو عن سماع الخطبة، فهو مكروه لأجل ذَلِكَ، وفيه أن من حبس صدقة المسلمين من وصية أو زكاة أو شبههما يخاف عليه أن يحبس في القيامة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كرهت أن يحبسني" يعني: في الآخرة، وفيه السرعة للحاجة المهمة، ولعله - صلى الله عليه وسلم - أسرع؛ لئلا ينسى ما أراد فعله، أو لعله فعل ذَلِكَ ليفرقه عليهم قبل تفرقهم كما سلف.
قَالَ الداودي: وفيه أنه كان لا يمسك شيئًا من الأموال غير الرباع، كما في الحديث الآخر:"ما يسرني أن لي مثل أحد ذهبًا تمرُّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيئًا أرصده لدين"(١).
وفيه: أن من وجب عليه فرض فالمبادرة إليه أفضل.
(١) سيأتي برقم (٢٣٨٩) كتاب: في الاستقراض، باب: أداء الديون.