حجته بعد أن فرغ منها وأقام في الفتح قبل خروجه إلى هوازن والطائف مدة وأقام بعد رجوعه إلى مكة. وإما أن يكون أحدهما في موطن غير الآخر، أو يكون أحدهما حفظ ما لم يحفظه الآخر. أما قول أنس، فقال مالك: هو في حجة الوداع، وقد شهدها أنس وابن عباس، ولا يحفظ أن ابن عباس شهد الفتح، وكان حيئنذٍ ابن إحدى عشرة سنة وأشهر.
قلتُ: القضية متعددة قطعًا، فقضية ابن عباس في الفتح، وأنس في حجة الوداع.
وقال ابن بطال: إنما أقام الشارع تسعة عشر يومًا يقصر؛ لأنه كان محاصرًا في حصار الطائف أو في حرب هوازن، فجعل ابن عباس هذِه المدة حدًّا بين التقصير والإتمام.
قَالَ المهلب: والفقهاء لا يتأولون هذا الحديث كما تأوله ابن عباس، ويقولون: إنه كان - صلى الله عليه وسلم - في هذِه المدة التي ذكرها ابن عباس غير عازم على الاستقرار؛ لأنه كان ينتظر الفتح ثم يرحل بعد ذلك، فظن ابن عباس أن التقصير لازم إلى هذِه المدة، ثم ما بعد ذلك حضر يتم فيه، ولم يراع نيته في ذلك، ثم روى حديث إقامته بتبوك يقصر عشرين ليلة.
وروى ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح أنه سأل سالم بن عبد الله: كيف كان يصنع ابن عمر؟ قَالَ: إذا أجمع المكث أتم، وإذا أقام اليوم وغدًا قصر الصلاة وإن مكث عشرين ليلة. والعلماء مجمعون على هذا لا يختلفون فيه.
قلتُ: وأين الإجماع وقد علمت الخلاف الطويل الذي سقته!